تمهيد


تعتبر نظرية التطور من أكثر النظريات العلمية إثارة للجدل على الاطلاق, وذلك لعدة أسباب إن لم يكن لسبب واحد رئيسي : وهو أن نظرية التطور تبدو لأغلب الناس متضاربة أو متناقضة مع الأديان (نخص بالذكر الأديان الابراهيمية الثلاث). ما عدا فئة قليلة من الناس المتدينين الذين يحاولون التوفيق بين نظرية التطور وبين أديانهم بطرق أو بأخرى, وهناك من يقبل بعض الأفكار الجزئية لهذه النظرية  ويرفض مجملها إلخ... عموما نحن في هذه المدونة سنحاول أن نقدم للقارئ الكريم باللغة العربية كل الأساسيات التي يحتاج معرفتها عن هذه النظرية العلمية بعيدا عن أي منهج سوى المنهج العلمي الصرف. وذلك لإيماننا أن أي شيء لا يقوم على اثبات علمي, لا يجوز بأي حال من الأحوال إلزام البحث العلمي به. فالعلم يعلو ولا يعلى عليه, وقد اثبت التاريخ هذا ! فالكنيسة الأوروبية ركعت للعلم بعد عصور طويلة من اضطهاد وقتل العلماء وحرقهم والتنكيل بهم وبكتبهم. وكل من يحاول اليوم تحدي العلم بغير العلم فليتأكد أنه يضيع وقته.
 المرجو من القارئ الكريم أن يفحص ويبحث ويتأكد من كل ما نقدمه في هذه المدونة من معلومات, وبالمقابل افحصوا وتأكدوا أيضا من ما يقدمه لكم المزورون الذين يعتقدون أنهم سينصرون أديانهم عن طريق تزوير الحقائق العلمية ومحاولة تشويه نظرية التطور التي أصبحت العمود الفقري لعلوم الأحياء. وفي النهاية يعود لك القرار أن تقبل العلم, أو أن ترفضه
أما عقيدتك فليس للعلم علاقة بها, أنت وحدك من من حقك أن تفسر عقيدتك وأن توفق بينها وبين العلم إن أردت ذلك, فهذا أمر شخصي جدا ولا يجوز أن نوجهك بخصوصه ولا حتى أن نعطي لك نصائح بشأنه. كيف لا ونظرية التطور لم تقل يوما أنها ضد أي دين ولا ضد أي نظرية ميتافيزيقية. فالعلم من عادته  أن يقدم الحقائق التي يتوصل إليها دون أن يحاول بواسطتها التعليق على أي شيء آخر, وإن رأيتم بعض العلماء ينتقدون الأديان بواسطة الحقائق التي توصلت إليها نظرية التطور, فلتعلموا أنهم حينها لا يتكلمون عن علم بل يتكلمون عن الفلسفة, فمن حق أي عالم بيولوجيا أو فيزياء أن يمارس التفكير الفلسفي خارج مجال عمله, ولا عيب أيضا إن حاول استعمال علمه في دعم نظرته أو موقفه من الوجود. فهذا أيضا أمر شخصي يخصه هو وحده. فالالحاد واللادينية مذاهب فلسفية معروفة, والالحاد له مكان كبير في مجال الفلسفة منذ القدم, لكن هذا لا ينطبق على البحث العلمي فأرجو عزيزي القارئ أن تضع هذا بالحسبان, وأن تنفض عن عقلك تلك الأفكار الغوغائية التي تصور نظرية التطور على أنها مرادف للالحاد أو إنكار وجود قوة خالقة. هذا خطأ ! نظرية التطور ليس ذنبها إن كانت الحقائق العلمية التي تقدمها قد توحي للبعض بزور قصة الخلق التي في الأديان, أو احتمال عدم وجود إله, فنظرية التطور مثل اي نظرية علمية أخرى الهدف الوحيد منها هو تقديم المعرفة للانسان من أجل منفعته ورقيه وتقدمه
عندما تقبل المنهج العلمي وتعترف به, فإن ذلك لن يعود عليك سوى بالنفع, مهما كان الفكر الذي تحاول التوفيق بينه وبين المنهج العلمي. إسلام, مسيحية, لادينية, إلحاد... الأمر سيان ! فموقفك من الوجود لن يغير شيئا في واقعك. لكن العداء للعلم سيكون له تأثير مباشر على واقعك ومجتمعك مستقبلا, تأثير سلبي أكثر هولا مما تتصور    

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق